الصفحة الرئيسية
>
شجرة التصنيفات
كتاب: المنتظم في تاريخ الملوك والأمم **
فمن الحوادث فيها: أنهم وجدوا رجلًا أعجميًا واقفًا على سطح مجلس من دار السر التي كان المقتدر يكثر الجلوس فيها عند والدته عليه ثياب دبيقي وتحتها قميص صوف ومعه محبرة ومقلمة وسكين وأقلام وقيل: انه دخل مع الصناع فحصل في الموضع وبقي أيامًا فعطش فخرج يطلب الماء فظفر به وسئل عن حاله فقال: ليس يجوز أن أخاطب غير صاحب هذه الدار فأخرج إلى أبي الحسن بن الفرات فقال: أنا أقوم مقام صاحب الدار فقال: ليس يجوز غير خطابه فضرب فعدل إلى أن قال: ندانم ولزم هذه اللفظة فضرب حتى مات فأخرج فصلب ولطخ بالنفط وضرب بالنار وأرجف الناس بأن ابن الفرات دسه ليوهم المقتدر أن نصر الحاجب أراد أن وفي هذه السنة: ضعف أمر أبي الحسن ابن الفرات بعد قوته وكان السبب أنه ورد الخبر في محرم هذه السنة بأن أبا طاهر بن أبي سعيد الجنابي ورد إلى الهبير ليلتقي حاج سنة إحدى عشرة وثلثمائة في رجوعهم وأوقع ببعض الحاج ومضى بعضهم على غير الطريق فعارضهم أبو طاهر وقاتلهم يوم الأحد لاثنتي عشرة ليلة بقيت من المحرم سنة اثنتي عشرة فقتل منهم قتلًا مسفًا وأسر أبا الهيجاء عبد الله بن حمدان وكان إليه الكوفة وطريق مكة وبذرقة الحاج وأسر معه جماعة من خدم السلطان وأسبابه وأخذ جمال الحاج وسبى من اختار من النساء والرجال والصبيان وسار بهم إلى هجر وترك باقي الحاج في مواضعهم بلا جمال ولا زاد وكانت سن أبي طاهر في ذلك الوقت سبع عشرة سنة فمات أكثر الحاج بالعطش والحفاء وحصل له ما حزر من الأموال ألف ألف دينار ومن الامتعة والطيب وغير ذلك بنحو ألف ألف وكان جميع عسكره نحوًا من ثماني مائة فارس ومثلهم رجالة فانقلبت بغداد وخرجت النساء منشورات الشعور مسودات الوجوه يلطمن ويصرخن في الشوارع وانضاف إليهن حرم المنكوبين الذين نكبهم ابن الفرات وكانت صورة شنيعة فركب ابن الفرات إلى المقتدر وحدثه الحال فقال له نصر الحاجب: الساعة تقول أي شيء الرأي بعد أن زعزعت أركان الدولة وعرضتها للزوال بإبعادك مؤنس المظفر الذي يناضل الأعداء . ومن الذي أسلم رجال السلطان وأصحابه إلى القرمطي سواك وأشار نصر على المقتدر بمكاتبة مؤنس بالتعجيل إلى الحضرة فأمر أن يكتب إليه بذلك ووثب العامة على ابن الفرات فرجمت طيارته بالآجر ورجمت داره وصاحوا: يا ابن الفرات القرمطي الكبير وامتنع الناس من الصلاة في الجوامع ثم قبض على ابن الفرات وابنيه وأسبابه وحمل إلى دار نازوك والعامة يضربونه بالآجر ويقولون: قد قبض على القرمطي الكبير وأخذ خطه بألفي الف دينار وكان ابنه المحسن يخرج في زي النساء فغمز عليه فأخذ وكتب خطه بثلاثة آلاف الف دينار وقتل ابن الفرات وولده المحسن ووزر أبو القاسم عبد الله بن محمد الخاقاني . وورد كتاب من محمد بن عبد الله الفارقي من البصرة يذكر أن كتاب أبي الهيجاء عبد الله بن حمدان ورد عليه من هجر وأنه كلم أبا طاهر في أمر من كان استأسر من الحاج وسأل اطلاقهم وأنه أحصى من قتله منهم فكانوا من الرجال الفين ومائتين وعشرين ومن النساء نحو خمسمائة امرأة ووعد باطلاقهم . ثم وردت الاخبار بورود طائفة إلى البصرة إلى أن كان آخر من أطلق منهم أبو الهيجاء في جماعة من أصحاب السلطان وقدم معهم رسول من أبي طاهر يسأل الافراج له عن البصرة والأهواز فأنزل وأكرم وأقيمت له الأنزال الواسعة ولم يجب إلى ما التمس وأنفق السلطان في ومن الحوادث: أن نازوك جلس في مجلس الشرطة ببغداد فاحضر له ثلاثة نفر من أصحاب الحلاج وهم: حيدرة والشعراني وابن منصور فطالبهم بالرجوع عن مذهب الحلاج فأبوا فضرب أعناقهم ثم صلبهم في الجانب الشرقي من بغداد ووضع رؤوسهم على سور السجن في الجانب الغربي . وظهر بين الكوفة وبغداد رجل يدعي أنه محمد بن إسماعيل بن جعفر بن محمد بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب رضي الله عنه وجمع جمعًا عظيمًا من الأعراب واستفحل أمره في شوال فأنفذ أبو القاسم الخاقاني حاجبه أحمد بن سعيد وضم إليه خمسمائة رجل من الفرسان وألف راجل وأمره بمحاربته فظفر بجماعة من أصحابه وانهزم الباقون . إبراهيم بن خمش أبو اسحاق الزاهد النيسابوري سمع محمد بن رافع وغيره وكان يعظ الناس أنبأنا زاهر بن طاهر قال أنبأنا أبو بكر البيهقي قال: أخبرنا أبو عبد الله الحاكم قال: سمعت أبا منصور الصوفي ابن بنت ابراهيم يقول: سمعت جدي يقول: يضحك القضاء من الحذر ويضحك الأجل من الأمل ويضحك التقدير من التدبير وتضحك القسمة من الجهد والعناء . إسحاق بن بنان بن معن أبو محمد الأنماطي سمع الوليد بن شجاع وإسحاق بن أبي اسرائيل وكان ثقة توفي في هذه السنة . عبيد الله بن عبد الله بن محمد أبو العباس الصيرفي حدث عن عبد الأعلى بن حماد . روى عنه علي بن عمر السكري وكان صدوقًا توفي في رجب هذه السنة . عمر بن عبد الله بن عمر بن عثمان أبو القاسم المعروف بابن أبي حسان الزيادي سمع المفضل بن غسان روى عنه ابن المظفر وابن شاهين وكان ثقة وتوفي في هذه السنة وقيل: في سنة أربع عشرة وثلثمائة . وزر مرارًا للمقتدر وملك أموالًا كثيرة تزيد على عشرة آلاف ألف دينار وبلغت غلته ألف ألف دينار وأودع الأموال وجوه الناس فلم يبق ببغداد قاض ولا عدل ولا تاجر مستور إلا ولابن الفرات عنده وديعة . أنبأنا محمد بن أبي طاهر قال: أنبأنا علي بن المحسن عن أبيه قال: حدثني أبو الحسين عبد الله بن أحمد بن عياش القاضي: أن رجلًا دامت عطلته فزور كتبًا عن علي بن محمد بن الفرات وهو وزير إلى أبي زنبور عامل بمصر وخرج إليه فلقيه بها فأنكرها أبو زنبوز لإفراط التأكيد فيها واستراب بالخطاب فوصل الرجل بصلة يسيرة وأمر له بجراية وقال: تأخذها إلى أن أنظر في أمرك وأنفذ الكتب إلى ابن الفرات وكان فيها: أن للرجل حرمة وكيدة بالوزير وخدمة قديمة فوصلت الكتب إلى أبي الحسن ابن الفرات وأصحابه بين يديه فعرفهم ذلك وقال: ما الرأي فقال بعضهم: تقطع يده للتزوير على الوزير وقال بعضهم: يقطع أبهامه وقال بعضهم: يضرب ويحبس وقال بعضهم: يكشف أمره لأبي زنبور حتى يطرده فقال ابن الفرات: ما أبعد طباعكم عن الجميل! رجل توسل بنا وتحمل المشقة إلى مصر بجاهنا ولعله كان لا يصل إلينا فيأخذ كتبنا فخفف عنا بأن كتب لنفسه يكون حظه الخيبة ثم كتب على الكتاب المزور إلى أبي زنبور هذا كتابي ولا أعلم لأي سبب أنكرته ولا لأي سبب استربت به وحرمة صاحبه بي وكيدة وسببه عندي أقوى مما تظن فأجزل عطيته وتابع بره فلما كان بعد مدة طويلة دخل عليه رجل جميل الهيئة فأقبل يدعو له ويبكي ويقبل الأرض بين يديه وابن الفرات لا يعرفه ويقول: بارك الله عليك مالك . فقال: أنا صاحب الكتاب الزور إلى أبي زنبور الذي حققه بفضل الوزير فعل الله به وصنع فضحك ابن الفرات وقال: فبكم وصلك فقال: وصل إلي من ماله وبتقسيط قسطه لي وبتصرف صرفني عشرون ألف دينار فقال: الزمنا فإنا ننفعك بأضعافه واستخدامه فأكسبه مالًا عظيمًا . قال: ابن عياش: وكان أول ما أنحل من نظام سياسة الملك فيما شاهدناه القضاء فإن ابن الفرات وضع منه وأدخل فيه أقوامًا لا علم لهم ولا أبوة فما مضت إلا سنوات حتى ابتدأت الوزارة تتضع ويتقلدها من ليس بأهل حتى بلغت سنة نيف وثلاثين وثلثمائة إلى أن تقلد وزارة المتقي أبو العباس الأصبهاني الكاتب وكان في غاية سقوط المروءة والرقاعة ولقد رأيت قردًا معلمًا يقول له القراد: أتحب أن تكون بزازًا فيقول: نعم ويومي برأسه فيقول: تشتهي أن تكون عطارًا فيومي برأسه نعم إلى أن يقول: أتشتهي أن تكون وزيرًا فيومي برأسه لا فيضحك الناس وكان أول ما وضع من القضاء أنه قلده أبا أمية الأحوص البصري فإنه كان بزازًا فاستتر ابن الفرات عنده وخرج من داره إلى الوزارة فولاه القضاء وجرت الحال على ما وقد ذكرنا كيف اتضع ابن الفرات وكيف أخذ وحبس وقتل في حوادث هذه السنة فلا نعيده . أنبأنا محمد بن أبي طاهر عن أبي القاسم التنوخي عن أبيه قال: أخبرني بعض الكتاب قال: كان ابن الفرات قد صودر على ألف ألف دينار وستمائة ألف دينار فأدى جميعها في مدة ستة عشر شهرًا من وقت أن قبض عليه . أخبرنا أبو بكر محمد بن أبي طاهر البزاز قال: أخبرنا علي بن المحسن التنوخي عن أبيه قال: حدثني أبو محمد قال: حدثني بعض شيوخ الكتاب ببغداد عمن حدثه أنه سمع أبا الحسن ابن الفرات يقول لأبي جعفر بن بسطام: ويحك يا أبا جعفر لك قصة في رغيف فقال: إن أمي كانت عجوزًا صالحة عودتني منذ ولدتني أن تجعل تحت مخدتي التي أنام عليها في كل ليلة رغيفًا فيه رطل فإذا كان من غد تصدقت به عني فأنا أفعل ذلك إلى الآن فقال ابن الفرات: ما سمعت بأعجب من هذا أعلم أني من أسوأ الناس رأيًا فيك لأمور أوجبت ذلك وأنا مفكر منذ أيام في القبض عليك وفي مطالبتك بمال فأرى منذ ثلاث ليال في منامي كأنني أتدعيك لأقبض عليك فتحاربني وتمتنع مني فأتقدم لمحاربتك فتخرج إلى من يحاربك وبيدك رغيف كالترس فتتقي به السهام ولا يصل إليك منها شيء وأشهد الله أني قد وهبت لله عز وجل ما فاطمة بنت عبد الرحمن بن أبي صالح الحراني أخبرنا عبد الرحمن بن محمد قال: أخبرنا أحمد بن علي بن ثابت حدثنا أحمد بن محمد العتيقي حدثنا علي بن أبي سعيد المصري قال: حدثنا أبي قال: فاطمة بنت عبد الرحمن بن عبد الغفار الربعي تكنى أم محمد مولدها ببغداد وقدم بها إلى مصر وهي حدثة سمعت من أبيها عبد الرحمن وطال عمرها حتى جاوزت الثمانين وكانت تعرف بالصوفية لأنها أقامت تلبس الصوف ولا تنام إلا في مصلاها بلا وطاء فوق ستين سنة . سمع منها ابن أخيها عبد الرحمن بن القاسم بن عبد الرحمن .توفيت في هذه السنة . محمد بن إسحاق بن عبد الملك الهاشمي الخطيب كان يصلي صلاة الجمعة في المسجد الجامع بدار الخلافة وصلاة الأعياد في المصلى وتوفي يوم السبت لست خلون من ذي الحجة من هذه السنة . محمد بن محمد بن سليمان بن الحارث بن عبد الرحمن سمع محمد بن عبد الله بن نمير وأبا بكر وعثمان ابني شيبة وشيبان بن فروخ وعي بن المديني وخلقًا كثيرًا من أهل الشام ومصر والكوفة والبصرة وبغداد . ورحل في طلب الحديث إلى الأمصار البعيدة وعني به العناية العظيمة وأخذ عن الحفاظ والأئمة وكان حافظًا فهمًا كان يقول: أنا أجيب في ثلاثمائة ألف مسألة في حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم وسكن بغداد فحدث بها فروى عنه المحاملي وابن مخلد وأبو بكر الشافعي ودعلج وابن الصواف وابن المظفر وابن حيوية وابن شاهين وخلق كثير . أخبرنا عبد الرحمن بن محمد قال: أخبرنا أبو بكر أحمد بن علي بن ثابت الخطيب قال: سمعت هبة الله بن الحسن الطبري يذكر: أن الباغندي كان يسرد الحديث من حفظه مثل تلاوة القرآن وكان يقول: حدثنا فلان قال حدثنا فلان وحدثنا فلان وهو يحرك رأسه حتى تسقط عمامته . أخبرنا عبد الرحمن القزاز قال: أخبرنا ابن ثابت الخطيب قال: حدثني العتيقي قال: سمعت عمر بن أحمد الواعظ يقول: قام أبو بكر الباغندي يصلي فكبر ثم قال: حدثنا محمد بن سليمان لوين فسبحنا به فقال: بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله رب العالمين . قال: المؤلف: وقد أنبأنا بمثل هذه الحكاية محمد بن عبد الملك بن خيرون قال: أنبأنا أبو الحسين بن المهتدي عن أبي جعفر بن شاهين قال: صليت خلف محمد بن سليمان الباغندي فافتتح الصلاة ثم قال: حدثنا محمد بن سليمان لوين فقيل له: سبحان الله فقال أنبأنا شيبان بن فروخ الابلي فقالوا: سبحان الله فقال بسم الله الرحمن الرحيم . أخبرنا عبد الرحمن بن محمد أخبرنا أحمد بن علي بن ثابت حدثنا أبو محمد عبد الله بن علي بن عياض القاضي أخبرنا محمد بن أحمد بن جميع حدثنا أحمد بن محمد بن شجاع قال كنا عند إبراهيم بن موسى الجوزي ببغداد وكان عنده الباعندي ينتقي عليه فقال له إبراهيم بن موسى: هوذا تسخر بي أنت أكثر حديثًا مني وأعرف وأحفظ للحديث فقال له: قد حبب إلي هذا الحديث بحسبك اني رأيت النبي صلى الله عليه وسلم في النوم فلم أقل له: ادع الله لي بل قلت له: يا رسول الله أيما أثبت في الحديث منصور أو الأعمش فقال لي: منصور منصور . أخبرنا القزاز قال: أخبرنا الخطيب قال: لم يثبت من أمر الباغندي ما يعاب به سوى التدليس فرأيت كافة شيوخنا يحتجون بحديثه ويخرجونه في الصحيح وقال الدارقطني: الباغندي كثير التدليس يحدث بما لم يسمع وربما سرق . وتوفي يوم الجمعة ودفن يوم السبت لعشر بقين من ذي الحجة من هذه السنة وقد قيل سنة فمن الحوادث فيها: أن بني هاشم ضجوا في الطرقات لتأخر أرزاقهم عنهم وذلك لثمان من المحرم . ولليلة بقيت من المحرم انقض كوكب قبل مغيب الشمس من ناحية الجنوب إلى ناحية الشمال فأضائت الدنيا منه إضاءة شديدة وكان له صوت كصوت الرعد الشديد . ولم يزل أبو القاسم الخاتاني في أيام وزارته يبحث عمن يدعي عليه من أهل بغداد أنه يكاتب القرمطي ويتدين الإسماعيلية إلى أن تظاهرت عنده الأخبار بأن رجلًا يعرف بالكعكي ينزل في الجانب الغربي رئيس للرافضة وأنه من الدعاة إلى مذهب القرامطة فتقدم إلى نازوك بالقبض عليه فمضى ليقبض عليه فتسلق من الحيطان وهرب ووقع برجل في داره كان خليفته ووجد في الدار رجالًا يجرون مجرى المتعلمين فضرب الرجل ثلثمائة سوط وشهره على جمل ونودي عليه هذا جزاء من يشتم أبا بر وعمر رضي الله عنهما وحبس الباقين . وعرف المقتدر أن الرافضة تجتمع في مسجد براثا فتشتم الصحابة فوجه نازوك للقبض على من فيه وكان ذلك في يوم الجمعة لست بقين من صفر فوجدوا فيه ثلاثين إنسانًا يصلون وقت الجمعة ويعلنون البراءة ممن يأتم بالمقتدر فقبض عليهم وفتشوا فوجدوا معهم خواتيم من طين أبيض . يختمها لهم الكعكي عليها: محمد بن إسماعيل الإمام المهدي ولي الله فأخذوا وحبسوا وتجرد الخاقاني لهدم مسجد براثا وأحضر رقعة فيها فتوى جماعة من الفقهاء أنه مسجد ضرار وكفر وتفريق بين المؤمنين وذكر أنه إن لم يهدم كان مأوى الدعاة والقرامطة فأمر المقتدر بهدمه فهدمه نازوك وأمر الخاقاني بتصييره مقبرة ندفن فيه عدة من الموتى وأحرق باقيه وكتب الجهال من العوام على نخل كان فيه هذا مما أمر معاوية بن أبي سفيان بقبضه على علي بن أبي طالب رضي الله عنه وفي يوم الثلاثاء لاثنتي عشرة ليلة بقيت من ربيع الآخر خرج مفلح الأسود لإيقاع الفداء ببلاد الروم فتم الفداء لخمس بقين من رجب وكان الحاج قد خرجوا من بغداد في ذي القعدة فخرج جعفر بن ورقاء وهو والي طريق مكة والكوفة فتقدم الحاج خوفًا من أبي طاهر الجنابي وكان معه ألف فارس من بني شيبان فلقي جعفر بن ورقاء بزبالة فناوشه قليلًا واضطرب الناس ورجعوا إلى الكوفة وتبع أبو طاهر القوافل ورجال السلطان حتى صار إلى القادسية فخرج إليه أهلها وسألوه أن يؤمنهم فأمنهم ثم رحل إلى الكوفة وخرج إليه أهل الكوفة وأصحاب السلطان فحاربوه فغلبهم وأقام بظاهر الكوفة سبعة أيام يدخل البلد بالنهار ويخرج بالليل فيبيت في معسكره ويحمل ما قدر عليه فحمل من الوشي أربعة آلاف ثوب ومن الزيت ثلثمائة راوية ومن الحديد شيء كثير ثم رحل إلى بلده فدخل جعفر بن ورقاء ومن معه إلى بغداد فتقدم المقتدر إلى مؤنس بالخروج لمحاربة أبي طاهر واضطرب أهل بغداد اضطرابًا شديدًا انتقل أكثر من في الجانب الغربي إلى الشرقي ولم يحج في هذه السنة أحد من أهل بغداد ولا من أهل خراسان . وكان أبو العباس أحمد بن عبيد الله بن أحمد بن الخصيب قد استخرج مالًا كثيرًا من زوجة المحسن ولد ابن الفرات فصارت له بذلك مرتبة عند المقتدر فأرجف بوزارته فقدح فيه الخاقاني وكتب هو يقدح في الخاقاني فآل الأمر إلى أن صرف الخاقاني وكانت مدة وزارته سنة وستة أشهر ويومين وأحضر المقتدر الخصيبي فقلد الوزارة وخلع عليه . وكثر الرطب في هذه السنة ببغداد حتى بيع كل ثمانية أرطال بحبة وعمل منه تمر وحمل إلى البصرة . أبو القاسم الصائغ حدث عن محمد بن حسان الأزرق وإسحاق بن إبراهيم البغوي وإبراهيم الحربي وغيرهم وروى عن ابن قتيبة مصنفاته وكان ثقة ثبتًا وتوفي في هذه السنة . إبراهيم بن نجيح بن إبراهيم بن محمد بن الحسين أبو القاسم الكوفي نزل بغداد وحدث بها عن أبيه وعن محمد بن إسحاق البكائي وروى عنه محمد بن المظفر وتوفي ببغداد وجيء به إلى الكوفة فدفن بها في هذه السنة الحسن بن محمد بن عبد الله بن شعبة أبو علي الأنصاري سمع حوثرة بن محمد وغيره روى عنه ابن شاهين وكان ثقة وتوفي في ذي القعدة من هذه السنة . سعيد بن سعدان أبو القاسم الكاتب وتوفي في المحرم هذه السنة . عبيد الله بن محمد ابن عبد الله بن سعيد بن المغيرة بن عمرو بن عثمان بن عفان أبو عمرو العثماني سمع ابن المدينين روى عنه ابن المظفر وابن حيويه . وكان صدوقًا . وتوفي في ربيع الأول من هذه السنة . عثمان بن سهل بن مخلد البزاز حدث عن الحسن الزعفراني روى عنه أبو عمر ابن حيوية وكان ثقة توفي في رمضان هذه السنة علي بن عبد الحميد بن عبد الله بن سليمان أبو الحسن الغضائري حدث عن عبيد الله القواريري وعباس العنبري وجماعة وكان ثقة ومات في شوال هذه السنة . أخبرنا أبو منصور القزاز أخبرنا أحمد بن علي بن ثابت حدثنا أبو طالب يحيى بن علي الدسكري أخبرنا أبو بكر ابن المقرىء قال: سمعت علي بن عبد الحميد الغضائري يقول: سمعت السري السقطي ودققت عليه الباب فقام إلى عضادتي الباب فسمعته يقول: اللهم اشغل من يشغلني عنك بك قال ابن المقرىء: وزادني بعض أصحابنا عليه أنه قال: وكان من بركة دعائه أني حججت أربعين حجة على رجلي من حلب ذاهبًا وراجعًا . علي بن محمد بن بشار أبو الحسن: حدث عن صالح بن أحمد بن حنبل وأبي بكر المروزي وكان من كبار الصالحين وأهل الكرامات . أخبرنا عبد الرحمن بن محمد قال: أخبرنا أحمد بن علي بن ثابت قال: أخبرنا أبو الفضل عبد الصمد بن محمد الخطيب قال: حدثنا الحسن بن الحسين بن حمكان قال: سمعت أبا الحسن أحمد بن محمد بن مقسم يقول: سمعت أبا الحسن بن بشار يقول: وكان إذا أراد أن يخبر عن نفسه شيئًا قال: أعرف رجلًا حاله كذا وكذا فقال ذات يوم: أعرف رجلًا منذ ثلاثين سنة يشتهي أن يشتهي ليترك ما يشتهي فما يجد شيئًا يشتهي . حدثنا أبو بكر العامري قال: أنبأنا أبو سعد بن أبي صادق قال: أنبأنا ابن باكويه قال: سمعت محمد بن أحمد بن الحسن المقرىء يقول: سمعت أبا الحسن علي بن محمد بن بشار يقول: منذ ثلاثين سنة ما تكلمت بكلمة أحتاج أن أعتذر منها . توفي ليلة الخميس لسبع خلون من ربيع الأول من هذه السنة فحضره الأمراء والوزراء ودفن يوم الخميس بمشرعة الساج من الجانب الغربي ببغداد وقبره اليوم ظاهر يتبرك به . محمد بن إسحاق بن إبراهيم بن مهران بن عبد الله أبو العباس السراج مولى ثقيف ولد في سنة ثماني عشرة ومائتين وسمع قتيبة وإسحاق بن راهويه وخلقًا كثيرًا من أهل خراسان وبغداد والكوفة والبصرة والحجاز روى عنه البخاري وملم وابن أبي الدنيا وكان من المكثرين الثقات وعني بالحديث وصنف كتبًا كثيرة . أخبرنا عبد الرحمن بن محمد أخبرنا أحمد بن علي بن ثابت أخبرنا القاضي أبو العلاء الواسطي حدثنا محمد بن جعفر التميمي قال: سمعت أبا حامد أحمد بن محمد الفقيه يقول: سمعت أبا العباس بن السراج يقول يومًا لبعض من حضر وأشار إلى كتب على منضدة عنده فقال: هذه سبعون ألف مسألة لمالك ما نفضت التراب عنها منذ كتبتها أخبرنا عبد الرحمن بن محمد قال: أخبرنا أحمد بن علي بن ثابت الخطيب قال: أخبرنا أبو طالب مكي بن علي حدثنا إبراهيم بن محمد المزكي قال: كان أبو العباس السراج مجاب الدعوة . أخبرنا عبد الرحمن أخبرنا أحمد بن علي أخبرنا أبو بكر الخوارزمي قال: سمعت أبا العباس ابن حمدان يقول: سمعت محمد بن إسحاق السراج يقول: رأيت في المنام كأني أرقى في سلم طويل فصعدت تسعًا وتسعين مرقاة فكل من قصصت عليه ذلك يقول لي تعيش تسعًا وتسعين سنة. قال ابن حمدان: وكان ذلك عمر السراج تسعًا وتسعين سنة ثم مات. أخبرنا عبد الرحمن قال: أخبرنا أحمد بن علي أبو بكر الخطيب قال: قرأت على قبر السراج بنيسابور في لوح عند رأسه هذا قبر أبي العباس محمد بن إسحاق السراج. مات في سنة ثلاث عشرة وثلثمائة. أخبرنا زاهر بن طاهر قال: أنبأنا أحمد بن الحسين البيهقي أخبرنا الحاكم أبو عبد اللهن قال: سمعت أبا عمر بن أبي العباس السراج يقول: ولدت وأبي ابن ثلاث وثمانين سنة وتوفي أبي وأنا ابن ثلاث عشرة سنة وكنت إذا دخلت مسجد أبي يقول للناس: عملت هذا بعد ثمانين سنة في ليلة. محمد بن أحمد بن الحسن بن خراش أبو الحسين حدث عن بشر بن الوليد ومحمود بن غيلان والوليد بن شجاعة وغيرهم. وكان البغوي سيىء الرأي فيه وتوفي في رجب هذه السنة. محمد بن أحمد بن المؤمل بن أبان بن تمام أبو عبيد الصيرفي سمع أباه والقاسم بن هاشم في آخرين وروى عنه ابن حيويه وغيره. أخبرنا عبد الرحمن بن محمد أخبرنا أحمد بن علي بن ثابت أخبرنا أبو بكر البرقاني حدثنا عمر بن بشران قال: أبو عبيد بن المؤمل كان ثقة يفهم قال ابن شافع: توفي أبو عبيد في هذه السنة وقيل في سنة ثنتي عشرة والأول أصح. محمد بن أحمد بن هشام أبو نصر الطالقاني سمع إبراهيم بن هانئ والفتح بن شخرف. روى عنه ابن شاهين وكان ثقة وربما سماه بعض الرواة أحمد بن محمد بن هشام وتوفي في هذه السنة. محمد بن إبراهيم أبو جعفر الأطروش البرتي الكاتب سمع أبا عمر الدوري ويحيى بن أكثم القاضي وغيرهما. وروى عنه أبو بكر الجعابي وغيره أحاديث مستقيمة وتوفي لثلاث عشرة بقيت من شهر رمضان هذه السنة. محمد بن جمعة بن خلف أبو قريش القهستاني كان كثير السماع والرحلة صنف وجمع وكان ضابطًا متقنًا حافظًا وروى عن خلق كثير روى عنه ابن مخلد وأبو بكر الشافعي. وتوفي بقهستان في هذه السنة. فمن الحوادث فيها: أن الروم دخلت في صفر إلى مطلية فأخربوا وسبوا وأقاموا فيها أيامًا كثيرة فوصل أهل ملطية إلى بغداد في جمادى الآخرة مستغيثين من الروم. وفي ليلة الثلاثاء لأربع بقين من جمادى الأولى: وقع حريق في نهر طابق فاحترق فيه ألف دار وألف دكان وقي رجب: وقع حريق في دار السلطان فاحترقت دور الأمراء. وفي يوم الأحد لأربع خلون من شعبان: ورد كتاب من مكة يذكرون خروج أهل مكة منها ونقلهم حرمهم وأموالهم خوفًا من القرمطي لاتصال الخبر بقربه منهم. وورد الخبر بأن ريحًا عظيمة هبت في رمضان بنصيبين حتى قلعت الشجر وهدمت المنازل. وفي يوم الأحد لثمان خلون من شوال وهو اليوم السابع من كانون: سقط ببغداد ثلج كثير وقبل هذا اليوم بستة أيام برد الهواء بردًا شديدًا ثم زاد شدة بعد سقوط الثلج وأفرط في الشدة جدًا حتى تلف أكثر نخل بغداد وسوادها وجف وتلف شجر الاترج والتين والسدر وجمد الشراب والماورد والخل وجمدت الخلجان الكبار من دجلة ببغداد وجمد أكثر الفرات بنواحي الرقة وجمدت دجلة بأسرها بالموصل حتى عبرت الدواب عليها وحتى جلس المعروف بأبي زكرة المحدث في وسط دجلة على الجمد وكتب عنه الحديث ثم انكسر البرد بريح جنوب ومطر غزير. وقدم الحاج من خراسان في شوال فأحضرهم مؤنس المظفر وعرفهم شغل السلطان بأمر القرمطي عن إنفاذ من يبذرق الحاج فانصرفوا ولم يتهيأ حج من طريق العراق لخوف القرامطة. وفي ذي القعدة: بعث المقتدر بالله نازوك فقبض على أبي العباس الخصيبي وعلى ابنه أبي الحسين وكاتبه إسرائيل بن عيسى وكانت مدة وزارته سنة وشهرين واستدعى المقتدر أبا القاسم عبيد الله بن محمد الكلواذي يوم الخميس لاحدى عشرة ليلة خلت من ذي القعدة وأوصله إلى حضرته وأعلمه أنه قد قلد أبا الحسن علي بن عيسى الوزارة وأنه قد استخلفه إلى أن يقدم وتقدم إلى سلامة الطولوني بالنفوذ في البرية إلى دمشق ليحضر علي بن عيسى فسار علي بن عيسى من دمشق إلى منبج ثم انحدر في الفرات إلى بغداد. وانعزل في هذه السنة أبو جعفر بن البهلول القاضي عن القضاء فقيل له: لم فعلت قال: أريد أن يكون بين الصدر والقبر فوجة ومات بعد سنتين. أحمد بن محمد بن هارون أبو عبد الله الجسري كان ثقة يحفظ وحدث بمصر وتوفي بها في هذه السنة. إسحاق بن إبراهيم بن الخليل أبو يعقوب الجلاب وتوفي غرة شعبان في هذه السنة وصلى عليه أبو عمر القاضي. ثابت بن حزم بن عبد الرحمن بن مطرف بن سليمان بن يحيى أبو القاسم العوفي من أهل سرقسطة ينسب إلى عوف بن غطفان وهو عوف بن سعد بن ذبيان وقوم ينسبون عوفًا إلى قريش ويذكر العوفي نسبه إلى رهط عطية العوفي من بني سعد بن بكر وهم حضنة رسول الله صلى الله عليه وسلم رحل ثابت وطلب العلم وتولى قضاء سرقسطة. وتوفي بالأندلس في هذه السنة. الحسن بن صاحب بن حميد أبو علي الشاسي أحد الرحالين كتب ببلاد خراسان والجبال والعراق والحجاز والشام وقدم بغداد في سنة إحدى عشرة وثلثمائة فحدث بها عن علي بن خشرم وإسحاق بن منصور وأبي زرعة وغيرهم روى عنه أبو بكر الجعابي وابن المظفر. وكان ثقة توفي بالشاش في هذه السنة. سعيد النوبي: العباس بن يوسف أبو الفضل الشكلي حدث عن سري السقطي روى عنه ابن شاهين وكان صالحًا متنسكًا توفى في شهر رجب من هذه السنة. محمد بن إبراهيم بن زياد بن عبد الله أبو عبد الله الطيالسي الرازي كان جوالًا وحدث ببغداد ومصر وطرسوس وسكن قرميسين وعمر طويلًا وكان يحدث عن يحيى بن معين وعبيد الله بن عمر القواريري وخلق كثير روى عنه ابن صاعد والجعابي وجعفر الخلدي وغيرهم. أخبرنا عبد الرحمن بن محمد أخبرنا أحمد بن علي بن ثابت قال: قرأت في كتاب الدارقطني بخطه: محمد بن إبراهيم بن زياد متروك وفي موضع آخر: ضعيف وسألت عنه البرقاني فقال: بئس الرجل. محمد بن جعفر بن بكر بن إبراهيم أبو الحسين البزاز ويعرف بابن الخوارزمي سمع عثمان بن أبي شيبة وأحمد بن إبراهيم الدورقي وعمرو بن علي وغيرهم روى عنه ابن شاهين وغيره وتوفي في هذه السنة. محمد بن حسن أبو بكر الضرير الواعظ قال أبو سعيد بن يونس: هو بغدادي قدم البصرة وكان من حفاظ القرآن حسن الصوت وكان يقعد في الجامع ويقرأ بالألحان ويقع كلامه في القلوب وكان كريمًا توفي بمصر في هذه السنة. محمد بن محمد بن عبد الله الباهلي بغدادي حدث عن أبي عمر الدوري وأحمد الدورقي وغيرهما وكان ثقة ثبتًا متزهدًا من أهل الصيانة وتوفي بمصر في ربيع الآخر من هذه السنة. نصر بن القاسم بن نصر بن زيد سمع عبيد الله بن عمر القواريري. روى عنه ابن شاهين وكان ثقة عالمًا بالفرائض فقيهًا على مذهب أبي حنيفة مقرئًا جليلًا.توفي في هذه السنة. فمن الحوادث فيها: أن علي بن عيسى قدم وقد جعل وزيرًا فخرج الناس لتلقيه في أول صفر فمنهم من لقيه بالأنبار ومنهم من لقيه دونها فلما وصل دخل إلى المقتدر بالله فخاطبه بأجمل خطاب وانصرف إلى منزله فبعث إليه المقتدر بكسوة فاخرة وفرش وعشرين ألف دينار وخلع عليه في غداة غد لسبع خلون من صفر فلما خلع عليه أنشد: ما الناس إلا مع الدنيا وصاحبها فكيف ما انقلبت يومًا به انقلبوا يعظمون أخا الدنيا فان وثبت يومًا عليه بما لا يشتهي وثبوا وفي يوم الأحد لثمان خلون من ربيع الأول: انقض كوكب عظيم له ضوء شديد على ساعتين وفي يوم الخميس لأربع خلون من ربيع الآخر: خلع على مؤنس للخروج إلى الثغر لأن الكتاب ورد من عامل الثغور بأن الروم دخلوا سميساط وأخذوا جميع ما فيها ونصبوا فيها خيمة الملك وضربوا في المسجد الجامع بها في أوقات صلواتهم الناقوس. ثم قرئت الكتب على المنابر في يوم الجمعة لإحدى عشرة ليلة بقيت من ربيع الآخر: أن المسلمين عقبوا على الروم فقتلوا منهم مقتلة عظيمة وغنموا غنائم كثيرة. وفي يوم الخميس لاحدى عشرة ليلة خلت من ريع الآخر: ظهر ببغداد أن خادمًا من خواص خدم المقتدر بالله حكى لمؤنس المظفر أن المقتدر تقدر إلى خواص خدمه بحفر زبية في الدار المعروفة بدار الشجرة من دار السلطان حتى إذا حضر مؤنس للوداعة عند عزمه على الخروج إلى الثغر حجب الناس وأدخل مؤنس وحده فإذا اجتاز على تلك الزبية وهي مغطاة وقع فيها فنزل الخدم وخنقوه ويظهر أنه وقع في سرداب فمات فتأخر مؤنس عن المضي إلى دار السلطان لهذا السبب وركب إليه القواد والغلمان والرجالة وأصحابه بالسلاح وخلت دار السلطان من الجيش وقال له: أبو الهيجاء عبد الله بن حمدان بحضرة الناس نقاتل بين يديك أيها الاستاذ حتى تنبت لك لحية. فوجه إليه المقتدر بنسيم الشرابي ومعه رقعة بخطه إليه يحلف له فيها على بطلان ما بلغه ويعرفه أنه قد عمل على المصير إليه في الليلة المقبلة ليحلف له مشافهة على بطلان ما حكى له فصرف مؤنس إليه جميع من صار إليه من الجيش وأجاب عن الرقعة بما يصلح وبأنه لا ذنب له في حضور من حضر داره لأنه لم يدعهم واقتصر على خواص من رسمه من الغلمان والقواد وحلف أبو الهيجاء أن لا يبرح من دار مؤنس ليلًا ولا نهارًا إلى أن يركب معه إلى دار السلطان وتطمئن النفوس إلى سلامته وتقدم المقتدر إلى نصر الحاجب والاستاذين بالمصير إلى مؤنس المظفر لينحدر معهم إلى حضرته لوداعه فصاروا إليه وانحدر معهم يوم الخميس لاثنتي عشرة ليلة بقيت من ربيع الآخر. ووصل إلى المقتدر وقبل الأرض بين يديه وقبل يده ورجله فخاطبه المقتدر بالجميل وحلف له على ثقته به وعلى صفاء نيته له وودعه مؤنس وذلك بعد أن قرأ عليه الوزير علي بن عيسى كتاب وصيف البكتمري المتقلد لأعمال المعاقل بجند قنسرين والعواصم بأن المسلمين عقبوا على الروم فظفروا بعسكرهم وقتلوا منهم وغنموا. وخرج مؤنس من داره بسوق الثلاثاء يوم الاثنين لثمان بقين من ربيع الآخر إلى مضربه بباب الشماسية وشيعه الأمير أبو العباس بن المقتدر والوزير علي بن عيسى ونصر الحاجب وهارون بن غريب وشفيع المقتدري والقواد: فلما بلغ الوزير علي بن عيسى ونصر الحاجب معه إلى دار مبارك القمي حلف عليهما بأن يرجعا فعدلا إلى شاطئ دجلة وانصرفا في طياريهما وصار باقي القواد والاستاذان معه إلى مضربه وكان سليمان بن الحسن يسايره وهارون بن غريب ويلبق وبشرى ونازوك وطريف العسكري يسيرون بين يديه كما تسير الحجاب ورحل مؤنس من مضربه يوم الأحد لليلتين بقيتا من ربيع الآخر. وفي جمادى الأولى وقع حريق بالرصافة وصف الجوهري ومربعة الحرسي وفي الحطابين بباب الشعير. وفي يوم الخميس لثلاث عشرة ليلة بقيت من جمادى الأولى أخذ خناق ينزل درب الأقفاص من باب الشام خنق جماعة ودفنهم في عدة دور سكنها وكان يحتال على النساء يكتب لهن كتاب العطف ويدعي عندهن علم النجوم والعزائم فيقصدنه فإذا حصلت المرأة عنده سلبها ووضع وترًا له في عنقها ورفس ظهرها وأعانته امرأته وابنه فإذا ماتت حفر لها ودفنها فعلم بذلك فكبست الدار فأخرج منها بضع عشرة امرأة مقتولة ثم ظهر عليه عدة آدر كان يسكنها مملوءة بالقتلى من النساء خاصة فطلب فهرب إلى الأنبار فأنفذ إليها من طلبه فوجده فقبض عليه وحمل إلى بغداد فضرب ألف سوط وصلب وهو حي ومات لست بقين من جمادى الأولى. وفي شعبان دخل إلى بغداد ثلاثة عشر أسيرًا من الروم أخذوا من بيت المقدس فيهم قرابة الملك وفي هذه السنة كان ظهور الديلم فكان أول من غلب على الري منهم لنكي بن النعمان ثم ما كان بن كاكي ولقي أهل الجبل بأسرهم من الديلم شدة شديدة وذلك أنهم أخربوا الجبل وقتلوا من أهله مقتلة عظيمة حتى الأطفال في المهود ثم غلب على الري أسفار بن شيرويه ومضى إلى قزوين فألزم أهلها مالًا وعسفهم عسفًا شديدًا وأراق دماءهم وعذبهم فخرج النساء والشيوخ والأطفال إلى المصلى مستغيثين إلى الله عز وجل منه وكان له قائد اسمه مرداويج بن زيار فوثب هذا القائد عليه فقتله وملك مكانه وأساء السيرة باصبهان وانتهك الحرمات وجلس على سرير ذهب دونه سرير من فضة يجلس عليه من يرفع منهن وكان يقول: أنا سليمان بن داودن وهؤلاء أعواني الشياطين وكان يسيء السيرة في أصحابه وخصوصًا الاتراك فأصحر يومًا " بعسكره فاشتق العسكر رجل شيخ على دابة فقال: قد زاد أمر هذا الكافر واليوم تكفونه قبل تصرم النهار ويأخذه الله إليه فدهشت الجماعة ولم ينطق أحد بكلمة ومر الشيخ كالريح فقال الناس: لم لا نتبعه ونأخذه ونسأله من أين له علم هذا أو نمضي به إلى مرداويج لئلا يبلغه الخبر فيلومنا فركضوا في كل طريق فلم يجدوه ثم عاد مرداويج فدخل إلى داره ونزع ثيابه ودخل الحمام فقتله الأتراك وركبوا إلى الاصطبلات لنهب الخيل ولما قتل حمل تابوته فمشى الديلم بأجمعهم حفاة أربعة فراسخ. وجاء أبو طاهر الهجري رئيس القرامطة وكان قد أخذ الحاج في سنة اثنتي عشرة فلما سمع الناس به اشتد خوفهم فبعث أبو القاسم يوسف بن أبي الساج إلى محاربته وتقدم المقتدر أن يحمل إلى يوسف سبعون ألف دينار فسار نحو الكوفة وكان مع أبي طاهر ألف فارس وخمسمائة راجل ومع يوسف أكثر من عشرين ألفًا ما بين فارس وراجل وذلك سوى الأتباع فلما قرب الهجري من الكوفة هرب عمال السلطان منها فقدم الهجري مقدمته في مائتي راجل فنزلت النجف ونزل هو بدير هند بحضرة خندق الكوفة وقد كان بعث ليوسف مائة كر دقيق وألف كر شعير فأخذها الهجري فقوي بها وضعف يوسف وسبق الهجري إلى الكوفة قبل يوسف بيوم فحال بينه وبينها وبعث يوسف إليه ينذره ويقول له: إن أطعت وإلا فالحرب فأبى أن يطيع فوقعت الحرب بينهما يوم السبت لتسع خلون من شوال سنة خمس عشرة على باب الكوفة ولما عاين يوسف عسكر أبي طاهر احتقره وقال: من هؤلاء الكلاب حتى افكر فيهم هؤلاء بعد ساعة في يدي وتقدم أن يكتب كتاب الفتح قبل اللقاء فلما سمع أصحاب الهجري صوت البوقات والدبادب من عسكر يوسف قال رجل منهم لآخر: هذا فشل فقال له: أجل ولم يكن في عسكر أبي طاهر دبادب ولا بوقات وثبت يوسف فأثخن أصحاب أبي طاهر بالنشاب المسموم وجرح منهم أكثر من خمسمائة فلما رأى أبو طاهر ذلك وكان في عمارية له نزل فركب فرسًا وحمل في خواصه وحمل يوسف بنفسه مع ثقاته فأسر يوسف وقتل من أصحابه عدد كثير وانهزم الباقون. وقيل لبعض أصحاب الهجري: كيف تغلبون مع قلتكم فقالوا: نحن نقدر السلامة في الثبوت وهؤلاء يقدرونها في الهرب وكان قد قبض يوسف بن أبي الساج على كاتبه أبي عبد الله محمد بن خلف وأخذ منه ما قيمته مائة ألف دينار ثم أخذ خطه بخمسمائة ألف دينار. وبلغ الخبر إلى بغداد فندب مؤنس للخروج إليه فجاء كتاب: أن الهجري رحل عن الكوفة إلى ناحية الأنبار وما شك الناس أنه يقصد بغداد ويملكها فماج أهل بغداد فقال علي بن عيسى للمقتدر بالله: إن الخلفاء إنما يجمعون المال ليقمعوا به أعداء الدين ولم يلحق المسلمين منذ قبض رسول الله صلى الله عليه وسلم أعظم من هذا الأمر لأن هذا الرجل كافر وقد أوقع بالناس سنة اثنتي عشرة وجرى عليهم منه ما لم يعهد مثله وقد تمكنت هيبته في قلوب الناس ولم يبق في بيت مال الخاصة كثير شيء فاتق الله يا أمير المؤمنين وخاطب السيدة فإن كان عندها مال قد دخرته لشدة فهذا وقت إخراجه فدخل إلى والدته وعاد فأخبر أن السيدة ابتدأته بالبذل وأمرت بإخراج خمسمائة ألف دينار لتنفق وكان قد بقي في بيت مال الخاصة خمسمائة ألف فقال المقتدر بالله: أخرج منها ثلاثمائة ألف. فأخرج ذلك ودبر تفرقته وبعث عسكرًا في أربعين ألفًا وقطعوا قنطرة عند عقر قوف فوصل إليها القرمطي فوجدها مقطوعة وسبر المخاضة فلم يجد عبرًا ولو وجد لم يثنه عن بغداد فعاد إلى الأنبار. وبلغ علي بن عيسى أن رجلًا يعرف بالشيرازي مقيمًا ببغداد يكاتب القرمطي فقبض عليه واستنطقه فقال: ما صحبته إلا لأنه على الحق وأنتم مبطلون كفار. فقال: اصدقني عن الذين يكاتبونه. فقال: ولم أصدقك عن قوم مؤمنين حتى تسلمهم إلى أصحابك الكافرين فيقتلونهم لا أفعل هذا أبدًا. فصفع وضرب بالمقارع وقيد وغل وجعل في فمه سلسلة وحبس فلم يأكل ولم يشرب ثلاثًا فمات. ووجه يلبق إلى محاربة القرمطي فلم يثبت يلبق وانهزم وكان يوسف بن أبي الساج أسيرًا مع القرمطي فأخرج رأسه من خيمة يتطلع لينظر إلى الوقعة فقال له القرمطي: أردت الهرب وظننت أن غلمانك يخلصونك فضرب عنقه. ولما انصرف القرمطي عن الأنبار تصدق المقتدر والسيدة وعي بن عيسى بخمسين ألف درهم. ولما صلى الناس بمدينة السلام وسلموا تصدقوا بعشرة آلاف درهم ولما انصرف عن هيت تصدق المقتدر بالله من بيت مال الخاصة بمائة ألف درهم. وفي هذه السنة بلغت زيادة دجلة اثني عشر ذراعًا وثلاثين ولم يحح في هذه السنة أحد من إسحاق بن أحمد بن جعفر أبو يعقوب الكاغذي حدث بمصر واستوطن تنيس وحدث بها وأم في جامعها روى عنه يعقوب الدورقين وغيره وتوفي بدمياط في هذه السنة. أيوب بن يوسف بن أيوب بن سليمان أبو القاسم البزاز المصري سكن بغداد وحدث بها. روى عنه ابن شاهين وتوفي في هذه السنة بدر الشرابي: توفي في جمادى الأولى من هذه السنة. الحسن بن محمد بن الحسن بن صالح بن شيخ بن عميرة أبو الحسين الأسدي حدث عن علي بن خشرم روى عنه ابين شاهين وكان ثقة. الحسين بن محمد بن محمد بن عفير بن محمد بن سهل بن أبي حثمة أبو عبد الله الأنصاري وسهل من الصحابة ولد الحسين في سنة تسع عشرة ومائتين وسمع أبا بكر بن أبي شيبة ولوينًا وغيرهما. روى عنه أبو بكر الشافعي وابن الصواف وابن المظفر وأبو بكر ابن شاذان وابن شاهين. قال الدارقطني: هو ثقة وكان يسكن سويقة نصر من الجانب الشرقي وتوفي في صفر هذه السنة عن ست وتسعين سنة وأيام. الحسين بن عبد الله بن الجصاص الجوهري أبو عبد الله كان ذا ثروة عظيمة وكانت بداية أمره أن ابن طولون قال له: ما صناعتك قال: الجوهر قال: لا يبتاع لنا شيء إلا على يده فكسب الأموال أنبأنا محمد بن أبي طاهر البزاز عن أبي القاسم علي بن المحسن التنوخي عن أبيه قال: حدثني أبو علي أحمد بن الحسين بن عبد الله الجصاص قال: قال لي أبي: كان بدء اكثاري أنني كنت في دهليز حرم أبي الجيش خمارويه بن أحمد بن طولون وكنت أتوكل له ولهم في ابتياع الجوهر.وغيره مما يحتاجون إليه وما كنت أكاد أفارق الدهليز لا ختصاصي بهم فخرجت إلى قهرمانة لهم في بعض الأيام ومعها عقد جوهر فيه مائة حبة لم أر قبله أحسن منه تساوي كل حبة ألف دينار فقالت: يحتاج أن تخرط هذه حتى تصغر فتجعله لكعب وكدت أطير فرحًا فأخذتها وقلت: السمع والطاعة وخرجت في الحال فجمعت التجار ولم أزل اشتري ما قدرت عليه إلى أن حصلت مائة حبة أشكالًا في النوع الذي أرادوه فجئت بها عشية فقلت: إن خرط هذا يحتاج إلى زمان وقد خرطنا اليوم ما قدرنا عليه وهو هذا فدفعت إليهم المجتمع وقلت: الباقي نخرطه في أيام فقنعوا بذلك وما زلت أيامًا في طلب الحب حتى اجتمع فحملت إليهم مائتي حبة قامت علي بأثمان قريبة تكون مائة ألف درهم أو حواليها وحصلت جوهرًا بمائتي ألف دينار أو حواليها ثم لزمت دهليزهم وأخذت لنفسي غرفة كانت فيه فجعلتها مسكني فلحقني من هذا أكثر مما لحقني حتى كثرت النعمة وانتهيت إلى ما استفاض خبره ولما نكبني المقتدر وأخذ مني تلك الأموال العظيمة أصبحت يومًا في الحبس آيس ما كنت فيه من الفرج فجاءني خادم فقال: البشرى قلت: وما الخبر قال: قم فقد اطلقت فقمت معه فاجتاز بي في بعض دور الخليفة يريد إخراجي إلى دار السيدة لتكون هي التي تطلقني لأنها هي شفعت في فوقعت عيني على اعدال خيش لي أعرفها فكان مبلغها مائة عدل فقلت: أليس هذا من الخيش الذي حمل من داري قال: بلى فتأملته فإذا هو مائة عدل وكانت هذه الأعدال قد حملت إلي من مصر في كل عدل منها ألف دينار وكان لي هناك حافظ عليه فجعلوه في اعدال الخيش فوصلت سالمة ولاستغنائي عن المال لم أخرجه عن الاعدال وتركته في بيت من داري وقفلت عليه ونقل كل مال في داري فكان آخر ما نقل الخيش منها ولم يعرف أحد ما فيه فلما رأيته بشدة طمعت في خلاصه فلما كان بعد أيام من خروجي راسلت السيدة وشكوت حالي إليها وسألتها أن تدفع إلي ذلك الخيش لأنتفع بثمنه إذ كان لا قدر له عندهم ولا حاجة لهم إليه فوعدتني بخطاب المقتدر في ذلك فلما كان بعد أيام ذكرتها فقالت: قد أمر بتسليمه إليك فسلم إلي بأسره ففتحته فأخذت منه المائة ألف دينار ما ضاع منه شيء وبعت من الخيش ما أردت بعد أن أخذت منه قدر الحاجة قال المحسن وحدثني أبو العباس هبة الله بن المنجم أن جده حدثه: أنه لما قبض المقتدر على ابن الجصاص انفذ إلى داره من يحصي ما فيها ويحمله فقال لي: الذي كتب الاحصاء انا وجدنا له في قماشه سبعمائة مزملة جباب فما ظنك بما يكون هذا في جملته. قال المحسن: وحدثني أبو الحسين بن عياش أنه سمع جماعة من ثقات الكتاب يقولون: انهم حصلوا ما ارتفعت به مصادرة أبي عبد الله بن الجصاص في أيام المقتدر فكانت ستة آلاف ألف دينار سوى ما قبض من داره وبعد الذي بقي له من ظاهره. قال المحسن: وسمعت أبا محمد جعفر بن ورقاء الشيباني يحدث في سنة تسع وأربعين وثلثمائة قال: اجتزت بابن الجصاص بعد اطلاقه إلى داره من المصادرة بأيام وكانت بيننا مودة ومصاهرة فرأيته على روشن داره على دجلة في وقت حار وهو حاف حاسر يعدو من أول الروشن إلى آخره كالمجنون فطرحت طياري إليه وصعد بغير إذن فلما رآني استحيا وعدا إلى مجلس له فقلت له: ويحك ما الذي أصابك فدعا بطست فغسل وجهه ورجليه ووقع ساعة كالمغشي عيه ثم قال: أولا يحق لي أن يذهب عقلي وتدحرج عن يدي كذا وكذا وأخذ مني كذا وكذا وجعل يعده أمرًا عظيمًا فقلت له: يا هذا نهايات الأموال غير مدركة وإنما يجب أن تعلم أن النفوس لا عوض لها والعقول والأديان فما سلم لك ذلك فالفضل معك وإنما يقلق هذا القلق من يخاف الفقر والحاجة إلى الناس أو يفقد العادة من مأكول ومشروب وملبوس أو النقصان في جاه فاصبر حتى أوافقك على أنه ليس ببغداد اليوم بعد ما خرج عنك أيس منك من أصحاب الطيالس فقال: هات فقلت: أليس دارك هذه التي كانت قبل مصادرتك ولك فيها من الفرش والأثاث ما فيه جمال لك قال: بلى فقلت وقد بقي من عقارك بالكرخ ما قيمته خمسون ألف دينار فقال: نعم قلت: ودار الحرز وقيمتها عشرة آلاف دينار قال: نعم قلت: وعقارك بباب الطاق قيمته ثلاثون ألف دينار قال: نعم قلت: وبستانك الفلاني ومصنعتك الفلانية وقيمتها كذا قال: نعم قلت: ومالك بالبصرة قيمته مائة ألف دينار قال: نعم فجعلت اعدد عليه حتى بلغت قيمته ذلك سبعمائة ألف دينار فقلت: واصدقني عما سلم لك من الجوهر والاثاث والقماش والجواري والعبيد والدواب وعن قيمة ذلك فبلغت قيمة ما ذكر ثلثمائة ألف دينار فقلت: يا هذا من ببغداد اليوم يحتوي ملكه على ألف ألف دينار وجاهك عند الناس الجاه الأول وهم يظنون أنه قد بقي لك ضعف هذا فلم تغتم قال: فسجد وحمد الله وبكى ثم قال: والله لقد غلبت علي الفكر حتى نسيت جميع هذا أنه لي وقل في عيني الإضالته إلى ما أخذ مني ولو لم نجئني الساعة لزاد الفكر علي حتى يبطل عقلي فإن الله تعالى أنفذ بك وما عزاني أحد أنفع من تعزيتك وما أكلت منذ ثلاث شيئًا فأحب أن تقيم عندي لنأكل ونتحدث فاقمت عنده يومي. قال المصنف: وقد ذكر فيما أخذ من ابن الجصاص خمس مائة سفط من مرتفع ثياب مصر ووجد له في بستانه أموال كثيرة مدفونة في جرار خضر وقماقم مرصصة الرأس وفد كان ابن الجصاص ينسب إلى التغفيل فله كلمات عجيبة قد ذكرتها في كتاب المغفلين إلا أنهم قالوا: كان يتطابع بها ويقصد أن يظنوا فيه سلامة الصدر وقد ذكرت طرفا مما يدل على ذكائه وفطنته في ذلك الكتاب. أبو محمد الطوسي سكن بغداد وحدث بها عن لوين وسوار بن عبد الله وروى عنه ابن شاهين. وكان صدوقًا وتوفي في هذه السنة. عبد الله بن أحمد بن سعد أبو القاسم الجصاص حدث عن بندار وعن محمد بن المثنى. وروى عنه ابن المظفر وابن شاهين وكان ثقة. وتوفي في جمادى الآخرة من هذه السنة. علي بن سليمان بن الفضل أبو الحسين الأخفش روى عن المبرد وثعلب واليزيدي وغيرهم. روى عنه ابن المرزبان والمعافى وكان ثقة. وتوفي في ذي القعدة من هذه السنة وقيل: في شعبان فجاءة وحكى ثابت بن سنان قال: كان أبو الحسن الأخفش يواصل أبا علي بن مقلة ويبره أبو علي فشكا إليه يومًا شدة الفاقة وسأله أن يكلم علي بن عيسى الوزير في إخراج رزق له فلم يفعل وزبر أبا علي وانتهره فعلم الأخفش فاغتم وانتهت به الحال إلى أن أكل الشلجم النيىء محمد بن جعفر بن أحمد بن عمر بن شبيب أبو الحسن الصيرفي يعرف بابن الكوفي حدث عن لوين وغيره وروى عنه ابن المظفر وابن شاهين وتوفي في صفر هذه السنة. محمد بن الحسين بن حفص أبو جعفر الخثعمي الأشناني الكوفي قدم بغداد وحدث بها عن عباد بن يعقوب الرواجني وأبي كريب روى عنه الباغندي والمحاملي وابن السماك وابن الجعابي وابن المظفر وقال الدارقطني: هو ثقة مأمون. توفي لسبع خلون من صفر هذه السنة محمد بن الحسين بن عبيد أبو عبد الله المطبخي السامري سمع عمرو بن علي وعلي بن حرب وكان شيخًا صالحًا.
|